الثلاثاء، 24 نوفمبر 2009

من فوائد الامام ابي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري

من فوائد الإمام ابي عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري


 

1ـ قال ـ عن ابن حزم :

عرفت بآثاره المفقوده والمطبوعة والمخطوطة في كتابي اأقوال المؤرخين في ابن حزم خلال الف عام ، وقد نجز منه وطبع أربعة أسفار في مجلدين

قال ابوعبدالله : طبع في دار الغرب بعنوان

ابن حزم خلال الف عام

فهل العنوان الذي ذكره الشيخ لطبعة ثانية ام ماذا

2ـ وقال عن ابي سعيد بن الأعرابي :

من فقهاء الظاهرية وصل إلينا من كتبه المعجم وبعض الاجزاء

(1/188 )

3ـ وقال عن بقي بن مخلد :

حدثني شيخي ابو تراب في مجلس شيخنا حمد الجاسر أن مسند بقي بن مخلد في سبعين جزء يوجد في ألمانيا .

ثم حدثني عبدالله الجبوري أن هذا لا يستبعد بتجزئة الأصل وأن منه صورة في ثلاث مجلدات عند أحد علماء الشام وقد نسيت اسمه.

ثم حدثني الشيخ ابو تراب تلفونيا أن الكتاب معد للطبع فكانت بشرى تثلج الصدر

(1/181)

4ـ وقال عن ابن حبيب :

وقد استوفيت ترجمته في كتابي : تذكرة المحققين .

قال ابو عبدالله : طبع كتاب للشيخ بعنوان أنابيش تراثية

.5ـ وقال عن البخاري :

حدثني شيخي أبو تراب الظاهري في مجلس شيخنا حمد الجاسر أن مسند البخاري يوجد في إحدى مكتبات روسيا

6ـ وقال عن سفيان الثوري :

طبع من كتبه التفسير .

الاثنين، 9 نوفمبر 2009

من كلام ابن حزم في الاصول 1


 

هل الأشياء في العقل قبل ورود الشرع

على الحظر أو على الإباحة


 

قال أبو محمد :

قال قوم : الأشياء كلها في العقل قبل ورود الشرع على الحظر .

وقال آخرون : بل هي على الإباحة ،

وقال آخرون وهم جميع أهل الظاهر وطوائف من أهل أصحاب القياس : ليس لها حكم في العقل أصلاً لا بحظر ولا بإباحة ، وإن كل ذلك موقوف على ما ترد به الشريعة .

قال أبو محمد : وهذا هو الحق الذي لا يجوز غيره

[والدليل قوله تعالى ]:

{وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّيفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } النحل رقم 116 .

وقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ } يونس رقم /59 .

قال علي : ففي هاتين الآيتين نص واضح على تحريم القول في شيء من كل ما في العالم أنه حرام أو أنه حلال ،فبطل بذلك قول من قال : إن الأشياء قبل ورود الشرع على الحظر أو على الإِباحة .

وصح أن من قال شيئاً من من ذلك بغير إذن من الله تعالى فهو مفتر على الله عز وجل.

وأما إذا ورد الشرع بأي شيء ورد من إباحة الكل ، أو حظر الكل ، أو حظر البعض ، أو إباحة البعض فواجب (القول) بكل ما ورد من ذلك .

وقال تعالى : {أَيحسب الإنسان أن يُترك سدى }

والسدي المهمل الذي لا يؤمر ولا ينهى فصح بهذه الآية أن الناس لم يبقوا قط هملاً دون ورود شرع ، فبطل قول من قال :

إن العقول تعرف وقتاً من الدهر من شرع ؟!، وإذ قد بطل هذا القول ، فقد بطل أن يكون الشيء في العقل قبل وورد الشرع له حكم في العقل بحظر أو إباحة، فصار قولهم محالاً ممتنعاً ، مع كونه حراماً أيضاً لو كان ممكناً .

وقال تعالى : {إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } فبطل هذا أن تكون أمة وقتاً من الدهر لم يتقدم فيهم نذير، وقد كان آدم عليه السلام رسولاً في الأرض وقال تعالى له، إذ أنزله إلى الأرض: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ } فأباح تعالى الأشياء بقوله إنها متاع لنا، ثم حظر ما شاء ، وكل ذلك بشرع ، وكذلك إذ خلقه في الجنة لم يتركه وقتاً من الدهر دون شرع ، بل قد قال تعالى: {وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ } فلم يخل قط وقت من الزمان عن أمر أو نهي .

قال أبو محمد : ويقال لهم أيضاً : لو جاز أن نبقى دون شرع لكان حكمنا كحكمنا قبل أن نحتلم، فإن الأمور حينئذ لا حكم لها علينا لا بحظر ولا إباحة، ولا فرق بين كونهما كذلك قبل البلوغ بنصف ساعة وبين كونهما كذلك بعد البلوغ وكلا الأمرين في العقول سواء.

وما في العقل إيجاب الشرع على من احتلم وسقوطه عمن لم يحتلم . وليس بين الأمرين إلا نومة لطيفة ، فبطل بهذا ما ادعوه من أن العقول فيها حظر شيء أو إباحته قبل ورود الشرع وموافاة الخطاب من الله عز وجل ، ولو كان كذلك للزم غير المحتلم كلزومه المحتلم إذ موجب العقل لا يختلف .

قال أبو محمد : ويقال لمن قال : لكل شيء مباح في العقل ، إلا الفكر ، أليس إقرار المرء بلسانه بالتثليث غير متبع له إنكاراً . كفراً من قائله ؛ فإن قال : لا ؛ كفر ، وإن قال : نعم ؛ قيل له صدقت ، وقد أباح الله تعالى الإعلان به دون اتباع أفكار لمن اضطر وخاف الأذى .

وقد أباح الله تعالى عند خوف القتل الكفر الصحيح الذي هو كفر في غير تلك الحال ، ولسنا نسألهم عن الكفر الذي هو العقد ، إنما نسألهم عن الكفر الذي هو النطق به فقط ؛ لأن بعضهم قال : لم يبح الله تعالى قط الكفر ، لأن الكفر الذي هو العقد ، ولا خلاف بين من يعتد به في النطق بالكفر دون اتباع بإنكار ولا حكاية ، كفر صحيح ، فعن هذا الكفر سألناهم وهم يقرون بأن امرأ لو قال بلسانه : أنا كافر بالإِسلام ، مقر بالتثليث ، إن هذا كفر ، وإنه مرتد ، وهذا بعينه الذي أبيح عند الإِكراه ، فقد جاءت إباحة الكفر نصًّا ، وحسن ذلك في عقولهم ، وبطل قولهم ، والذي نقول به إن الله تعالى لو أباح الكفر الذي هو العقد لكان حسناً مباحاً ، وأنه إنما حظر بالشرع فقط وبالله تعالى التوفيق .

ويقال لمن قال : إن كفر المنعم محظور بالعقل . ما تقول في كافر ربى إنساناً وأحسن إليه ، ثم لقيه في حرب أيقتله أم لا ؟

فإن قالوا : لا . خالفوا الإِجماع ، وإن قالوا : نعم . نقضوا قولهم في أن كفر المنعم محظور بالعقل ، فإن قالوا : إن قتله شكر له ، كابر ، وإن أقروا بأن قتله الذي هو سبب مصيره إلى الخلود في النار شكر له وإحسان إليه ، وهذا ضد ما ميّزه العقل ، وبالله تعالى التوفيق .


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 

فصل فيمن لم يبلغه الأمر

من الشريعة


 

قال علي :

اختلف الناس فيمن لم يبلغه الحكم الوارد من الله تعالى في الشريعة في خاص منها أو في جميعها .

فقالت طائفة : كل أحد مأمور[و ] منهي ساعة ورود الأمر والنهي ، إلا أنه معفو عنه إذا لم يبلغه .

وقالت طائفة : إن الله تعالى لم يأمر قط بشيء من الدين إلا بعد بلوغ الأمر إلى المأمور ، وكذلك النهي ولا فرق ، وأما قبل [وصول ] الأمر أو النهي إليه فإنه غير مأمور ولا منهي .

قال علي:

وبهذا نقول لقول الله عز وجل :{لأنذركم به ومن بلغ }الأانعام /19 .

ولقوله تعالى { لايكلف الله نفسا الإسعها } البقرة رقم 286

ولإِخبار رسول الله  : أنه لا يسمع به يهودي أو نصراني فلم يؤمن به إلا وجبت له النار.

وبه إلى قتادة عن الحسن البصري ، عن أبي رافع عن أبي هريرة بمثله وزاد في آخره: «وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْها دَخَلَ النَّارَ» .

فصح كما أوردنا أنه لا نذارة إلا بعد بلوغ الشريعة إلى المنذر ، وأنه لا يُكلف أحد ما ليس في وسعه، وليس في وسع أحد علم الغيب في أن يعرف شريعة قبل أن تبلغ إليه ، فصح يقيناً أن من لم تبلغه الشريعة لم يكلفها .

واحتجت الطائفة الأخرى بقول رسول الله  : «إِذَا اجْتهَدَ الحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» فسماه مخطئاً ولا يكون المخطىء إلا من خالف ما أمر به .

قال أبو محمد : وهذا الخبر لا حجة لهم فيه ، بل هو حجة لنا وبه نقول ، لأنه قد يكون مخطئاً من لا يوافق الحق ، وإن لم يكن مأموراً بالعمل به كإنسان سمى آخر بغير اسمه غير عامد ، فهذا مخطىء ولا أمر يلزمه ها هنا ، وكمن أنشد بيت شعر فوهم فيه ، فهو مخطىء بلا شك ، وهذا المجتهد مخطىء بلا شك إذا حكم بخلاف ما ورد به الحكم من عند الله عز وجل ، وأدخل في الدين ما ليس منه ، وإن كان غير مأمور بالحكم بما لم يبلغه فإنه منهي عن الحكم بما ظن أنه حق ، وهو غير حق ، وأما إذا بلغه فإنه مأمور به وإن نسيه لأنه قد بلغه ولزمه .

فإن قال قائل : لو كان ما قلتم لكان الدين لازماً لبعض الناس لا لكلهم .

قلنا وبالله التوفيق : ليس كذلك بل الدين لازم للجن والإِنس إذا بلغهم ، نعم ولكل من لم يخلق بعد إذا خُلق وبلغه وبلغ حد التكليف لا قبل ذلك ، وأنتم لا تخالفوننا في الشريعة أنها لا تلزم من لم يخلق قبل أن يخلق ، ولا من لم يبلغ قبل أن يبلغ .

فإن قالوا : فكيف حال من لم يبلغه الأمر ، أهو مأمور بما هو عليه من خلاف ما أمره الله تعالى به مما لم يبلغه ، ولا سبيل إلى قسم ثالث ؟

فإن قلتم : هو مأمور بما أمره الله تعالى به ، وإن لم يبلغه فهو قولنا ؛ وإن قلتم : هو غير مأمور بما أمره الله تعالى به ، أو أنه مأمور بما هو عليه من خلاف ما أمر الله تعالى به كان ذلك شغباً بشيعاً .

قلنا وبالله التوفيق : لسنا نقول بواحد من هذين الجوابين لكنا نقول : هو غير مأمور في ذلك بشيء أصلاً حتى يبلغه ، وحاله في ذلك كحال من لم يبلغ حد التكليف حتى يبلغ .

فإن قالوا : فكيف حكمه إن خالف ما يرى أنه الحق عامداً فوافق بذلك ما أمر الله تعالى به .

قلنا لهم : هذا السؤال لازم لكم ولنا .

فأما نحن فنقول وبالله التوفيق : إنه ليس في ذلك مطيعاً ولا عاصياً ، لكنه مستسهل لمخافة الحق ، هام بترك الحق ، إلا أنه لم يفعل ذلك بعد . هذه صفته على الحقيقة إلا أنه لم يخالف بفعله ذلك حقًّا ولا واقع باطلاً .

قال أبو محمد :
أهل هذه الصفة ينقسمون ثلاثة أقسام :

فقسم شهدوا ورود الأمر من الله تعالى ثم نسخ ولم يشهدوا الناسخ ، وليس أحد من هؤلاء موجوداً بعد موت رسول الله ، لأن النسخ بطل بعد موته واستقرت الشرائع .

وقسم ثان : علموا المنسوخ ولم يبلغهم الناسخ ، أو بلغهم المجمل ولم يبلغهم المخصص .

وقسم ثالث : بلغهم الناسخ والمنسوخ والمجمل والخاص ثم نسوا الخاص والناسخ ، أو تأولوا فيهما تأويلاً قاصدين إلى الحق .

فإما من كان في عصر رسول الله فبلغه المنسوخ ولم يبلغه الناسخ ، فهؤلاء خاصة لا يسقط عنهم الأمر بالمنسوخ حتى يبلغ إليهم الناسخ ، لأنه قد لزمهم الذي بلغهم بيقين لا شك فيه ، ولا يسقط اليقين إلا بيقين .

برهان هذا : أنه قد صح وثبت عند جميع أهل العلم أن المسلمين كانوا بأرض الحبشة ، وبأقصى جزيرة العرب ، فنزل الأمر من الله تعالى على رسوله ما لم يكن فيه قبل ذلك أمر كالصوم والزكاة ، وتحريم بعض ما لم يكن حراماً كالحق ، وإمساك المشركات وغير ذلك . فلا شك في أنه لم يأثم أحد منهم بتماديه على ما لم يعلم نزول الحكم فيه .

وكذلك كان ينزل الأمر مما تقدم فيه حكم بخلاف هذا النازل كتحويل القبلة عن بيت المقدس وغير ذلك ، فلا شك أيضاً في أنهم لم يأثموا ببقائهم على العمل بالمنسوخ ، بل كان فرضاً عليهم الصلاة كما أمروا وعرفوا حتى يبلغهم نسخه هذا ما لا يختلف فيه اثنان فصح قولنا ، والحمد لله يقيناً لا مجال للشك فيه .

وهكذا بقي أبو بكر وعمر رضي الله عنهما أزيد من عشرة أعوام مقرين لليهود والنصارى والمجوس بجزيرة العرب ، إذ لم يبلغهما نهي النبي عن إقرارهم فيها ، فلم يختلف أحد في أنهما لم يعصيا بذلك ، بل فعلا ما أمرا به .

ولو قال قائل : إن هذا إجماع صحيح متيقن لما بعد عن الصدق ، لأنه لم ينكر ذلك عليهما أحد من الصحابة ، وليس منهم أحد خفي عليه إقرارهما لهم قبل بلوغ النهي إليهما ، وبالله تعالى التوفيق .

فإن قيل : فهلا قلتم إنه سقط عنهم استقبال بيت المقدس ، ولم يؤمروا باستقبال الكعبة بقول الله تعالى : {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } .

قلنا : لا لما قد ذكرنا من أن الحكم لا يلزم حتى يبلغ ، وإنما خاطب الله بهذا الأمر من بلغه ومن لم يخلق إذا خلق وبلغه ، ولا دليل على سقوط ما قد ثبت عليهم من استقبال بيت المقدس إلا ببلوغ الأمر إليهم بتركه .

قال أبو محمد : ولو كانوا مأمورين باستقبال الكعبة حين نزول الأمر من قبل أن يبلغهم لكان من أقدم منهم فصلى إلى الكعبة عامداً قبل أن يبلغهم الأمر جائز الصلاة ، وهذا باطل ، وأما لو أن إنساناً اليوم خفيت عليه دلائل القبلة ، فاستدل فأداه استدلاله إلى جهة ما ، وقطع بذلك ثم تعمد الصلاة إلى خلاف تلك الجهة ، فلما سلم إذا به الى القبلة فإن صلاته باطلة ، وهو بذلك فاسق ، لأنه تعمد العمل في صلاته بما ليس عالماً أنه أمر به فيها ، فقصد العمل بما يرى أنه ليس من صلاته ، فقد قصد إفساد صلاته فبطلت بذلك .

قال أبو محمد : وأما من كان بعد رسول الله فلم يبلغه الناسخ ولا الخالص ، فإنه أيضاً مأمور بما يعتقد من المنسوخ ومن عموم المخصوص ، لأن الله تعالى لم يكلفه قط خلاف ذلك ، بل افترض عليه خلافاً لذلك طاعة أمره تعالى جملة ، والمنسوخ من أمره فلا شك، فهو لازم لكل من بلغه بعموم الأمر المذكور حتى يبلغه نسخه وبالله تعالى التوفيق .

ومن المحال الممتنع أن يكون الله تعالى يورد على عبده أمراً يأمره به ثم ينهاه عنه ولا يعلمه بنهيه عنه ، وهو تعالى قد تكفل لنا بالبيان ، قال عز وجل {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } .

فلو ورد أمر الله تعالى ثم نهاه عنه ، ولم يبلغه نهيه لكان ذلك إضلالاً والتباساً ، ولكان الرشد غير مبين من الغي وحاشا لله من هنا يقيناً.

وأما من بلغه الناسخ والخاص ، ثم نسيهما أو تأول فيهما بمبلغ طاقته فهو مأمور بما بلغه من ذلك ، لأنه منذ بلغه منهي عما هو عليه ، لأنه قد بلغه النهي إلا أنه معذور مأجور مرة ، مأجور بقصده الخير ، ومعذور بجهله ونسيانه ، فهذا حكم هذا الباب بالبرهان الصحيح، وبالله تعالى التوفيق .

فإن احتج محتج بحديث رسول الله إذ فرضت الصلاة ليلة الإِسراء ، وفيه قول موسى عليه السلام : «كَمْ فَرَضَ الله عَلَى أُمَّتِكَ؟ قَالَ خَمْسِينَ صَلاةً أَوْ نَحْوَها» فأخبر النبيان عليهما السلام أن الله تعالى فرض علينا قبل أن يبلغنا خمسين صلاة .

قلنا : إنما معنى هذا أنه متى بلغنا الأمر لزمنا .

وبرهان ذلك : أن ذلك لا يلزم من لم يخلق حتى يخلق ، ولا من لم يبلغ حتى يبلغ ، ولا من لم يأت عليه وقت الصلاة حتى يأتي وقتها . هذا ما لا خلاف فيه . فصح أن الفرض المذكور إنما هو بعد الخلق وبعد البلوغ ، وبعد انتهاء الشرع إليه ، وبعد دخول الوقت : وبهذا تتألف الأخبار كلها ، وبالله تعالى التوفيق .

برهان ذلك : أنه لم يعص قط أحد من المسلمين بتركه الخمسين صلاة ، ولو وجبت وتركها تارك لكان عاصياً لله تعالى ، فصح أنه يلزمنا إلا ما بلغنا من الدين ، وأما من بلغ إليه خبر غير صحيح عن النبي وصححه له متأول أو جاهل أو فاسق لم يعلم هو بفسقه ؛ فهذا هو مبلغ ، فهو إن عمل بما بلغه من ذلك الباطل فمعذور بجهله لا إثم عليه ، لأنه لم يتجانف لإِثم ، والأعمال بالنيات ، فهو مجتهد مأجور مرة في قصده بنيته إلى الخير ، وإلى طاعة الله ورسوله ، فلو خالف ما بلغه من ذلك فإنما عليه إثم المستسهل ، بخلاف الرسول ، إما بعلمه فقط فهو فاسق ، وإما بنيته فهو كافر، وبالله تعالى التوفيق .

الجمعة، 6 نوفمبر 2009

مسألة :هل البسملة آية من الفاتحة

مسألة :

هل البسملة آية من الفاتحة :


 

طرح الدكتور مبارك الحماد الوزره في احد المجالس هذه المسألة للنقاش ، وذكر أن الناس لا يجهرون بالبسملة مما يؤدي إلى نسيانها وعدم قراءتها وهذا يؤدي الى نقص الفاتحة لأنها آية من الفاتحة حسب ترقيم المصحف .

قال ابوعبدالله :وقد بدأت مدونتي هذه بالفاتحة وبعض أحكامها والآن أُكمل بعض هذه الأحكام وادرس مسألة هل البسملة من الفاتحة أم لا .

قال أبو عبدالله :

لا يشك مسلم أن البسملة آية من سورة النمل إلا ما روي عن أبو حنيفة أنها ليست من القرآن ونسب القرطبي هذا القول إلى مالك

لعل مقصد الإمام مالك وأبو حنيفة : انها ليست آية في أي سورة أما في سورة النمل فهي آية في وسط السورة وليست آية في أولها

هذا توجيه لقولهما والله اعلم .

وأما هل هي آية من الفاتحة فقد اختلف العلماء في ذلك وكل لديه دليل ولتساوي الأدلة ذهب الإمام ابن حزم إلى جواز القولين أي جواز القراءة بها وبدونها بناء على قراءته

فقال رحمه الله (م366/ ج3 ص 251)

مسألة ومن كان يقرأ برواية من عد من القراء (بسم الله الرحمن الرحيم) آية من القرآن لم تجزه الصلاة الا بالبسملة، وهم عاصم بن أبى النجود: وحمزة: والكسائي وعبد الله بن كثير وغيرهم من الصحابة والتابعين رضى الله عنهم، ومن كان يقرأ برواية من لا يعدها آية من أم القرآن فهو مخير بين ان يبسمل وبين ان لا يبسمل، وهم :ابن عامر وأبو عمرو (2) ويعقوب، وفي بعض الروايات عن نافع (3)

وقال أيضا :

وصارت (بسم الله الرحمن الرحيم) في قراءة صحيحة آية من أم القرآن، وفى قراءة صحيحة ليست آية من أم القرآن .

أما عن مذاهب العلماء واختلافهم في المسألة فقال القرطبي في التفسير :

الأول :ليست بآية من الفاتحة ولاغيرها، وهو قول مالك.

الثاني : أنها آية من كل سورة، وهو قول عبد الله بن المبارك.

الثالث قال الشافعي: هي آية في الفاتحة، وتردد قوله في سائر السور، فمرة قال: هي آية من كل سورة، ومرة قال: ليست بآية إلا في الفاتحة وحدها.

ولا خلاف بينهم في أنها آية من القرآن في سورة النمل.

ثم قال :

الخامسة - الصحيح من هذه الأقوال قول مالك، لأن القرآن لا يثبت بأخبار الآحاد وإنما طريقة التواتر القطعي الذى لا يختلف فيه.

وقال الامام موسى الحجاوي في الاقناع (1 ص 175 ) :

وليست منها كغيرها بل آية من القرآن

قال ابو عبدالله :وهذا هو الذي أُرجحه .

وقال ابن مفلح في الفروع ص 307 ط بيت الأفكار

وليست من الفاتحة على الأصح

وقال الرازي في التفسير

قال قراء المدينة والبصرة وفقهاء الكوفة إنها ليست من الفاتحة .

وقال قراء مكة والكوفة وأكثر فقهاء الحجاز إنها آية من الفاتحة ، وهو قول ابن المبارك والثوري

قال ابو عبدالله :

وقد افرد العلماء مسألة البسملة بالتصنيف مثل ابن خزيمة وابن عقدة وابن حبان والدارقطني والبيهقي وابن عبد البر وابو شامة المقدسي وجلال الدين المحلي انظر مقدمة مختصر كتاب الجهر بالبسملة والاصل للخطيب البغدادي والمختصر للذهبي والمقدمة لعلي بن احمد الكندي ص 8

وللامام محمد بن طاهر القيسراني رسالة بعنوان مسالة التسمية مطبوعه بتحقيق عبدالله مرشد